(ج)
وتتمة لذلك نهانا أن تتطوع بالصيام وهو حاضر
إلا بإذنه، لأن حقه أولى بالرعاية من ثواب
صيام النافلة، وفي الحديث المتفق عليه: "لا
تصوم المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه" والمراد
صوم التطوع بالاتفاق كما جاء ذلك في حديث آخر.
والإسلام حين راعى قوة الشهوة عند الرجل، لم
ينس جانب المرأة، وحقها الفطري في الإشباع
بوصفها أنثى. ولهذا قال لمن كان يصوم النهار
ويقوم الليل من أصحابه مثل عبد الله بن عمرو:
إن لبدنك عليك حقا، وإن لأهلك (أي امرأتك)
عليك حقا. قال الإمام الغزالي: "ينبغي أن
يأتيها في كل أربع ليال مرة، فهو أعدل، إذ عدد
النساء أربع (أي الحد الأقصى الجائز) فجاز
التأخير إلى هذا الحد. نعم يبغي أن يزيد أو
ينقص بحسب حاجتها في التحصين. فإن تحصينها
واجب عليه". ومما لفت الإسلام إليه النظر ألا
يكون كل هم الرجل قضاء وطره هو دون أي اهتمام
بأحاسيس امرأته ورغبتها. ولهذا روي في الحديث
الترغيب في التمهيد للاتصال الجنسي بما يشوق
إليه من المداعبة والقبلات ونحوها، حتى لا
يكون مجرد لقاء حيواني محض. ولم يجد أئمة
الإسلام وفقهاؤه العظام بأسا أو تأثما في
التنبيه على هذه الناحية التي قد يغفل عنها
بعض الأزواج. فهذا حجة الإسلام، إمام الفقه
والتصوف، أبو حامد الغزالي يذكر ذلك في إحيائه
-الذي كتبه ليرسم فيه الطريق لأهل الورع
والتقوى، والسالكين طريق الجنة- بعض آداب
الجماع فيقول: (يستحب أن يبدأ باسم الله
تعالىو الدعاء . قال عليه الصلاة والسلام: "لو
أن أحدكم إذا أتى أهله قال: اللهم جنبني
الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا. فإن كان
بينهما ولد، لم يضره الشيطان". (وليغط نفسه
وأهله بثوب… وليقدم التلطف بالكلام والتقبيل.
قال صلى الله عليه وسلم: "لا يقعن أحدكم على
امرأته، كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول.
قيل: وما الرسول يا
رسول الله؟ قال: القبلة والكلام". وقال: "ثلاث
من العجز في الرجل.. وذكر منها أن يقارب الرجل
زوجته فيصيبها (أي يجامعها) قبل أن يحدثها
ويؤانسها ويضاجعها فيقضي حاجته منها، قبل أن
تقضي حاجتها منه". قال الغزالي: (ثم إذا قضى
وطره فليتمهل على أهله حتى تقضي هي أيضا
نهمتها، فإن إنزالها ربما يتأخر، فيهيج
شهوتها، ثم القعود عنها إيذاء لها. والاختلاف
في طبع الإنزال يوجب التنافر مهما كان الزوج
سابقا إلى الإنزال، والتوافق في وقت الإنزال
ألذ عندها ولا يشتغل الرجل بنفسه عنها، فإنها
ربما تستحي). وبعد الغزالي، نجد الإمام السلفي
الورع التقي أبا عبد الله بن القيم يذكر في
كتابه "زاد المعاد في هدي خير العباد" هديه
صلى الله عليه وسلم في الجماع. ولا يجد في ذكر
ذلك حرجا دينيا، ولا عيبا أخلاقيا، ولا نقصا
اجتماعيا، كما قد يفهم بعض الناس في عصرنا.
ومن عباراته:
"أما
الجماع والباءة فكان هديه فيه أكمل هدى، يحفظ
به الصحة، ويتم به اللذة وسرور النفس، ويحصل
به مقاصده التي وضع لأجلها. فإن الجماع وضع في
الأصل لثلاثة أمور، هي مقاصده الأصلية:
أحدهما: حفظ النسل، ودوام النوع إلى أن تتكامل
العدة التي قدر الله بروزها إلى هذا العالم.
الثاني: إخراج الماء الذي يضر احتباسه
واحتقانه بجملة البدن.
والثالث: قضاء الوطر، ونيل اللذة، والتمتع
بالنعمة. وهذه وحدها هي الفائدة التي في الجنة.
قال: ومن منافعه: غض البصر، وكف النفس،
والقدرة على العفة عن الحرام، وتحصيل ذلك
للمرأة، فهو ينفع نفسه، في دنياه وأخراه،
وينفع المرأة. ولذلك كان صلى الله عليه وسلم
يتعاهده ويحبه، ويقول: حبب إلى من دنياكم
النساء والطيب..
وفي كتاب الزهد للإمام أحمد في هذا الحديث
زيادة لطيفة وهي: "أصبر عن الطعام والشراب ولا
أصبر عنهن". وحث أمته على التزويج فقال:
"تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم.." وقال: "يا
معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج،
فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج.."، ولما تزوج
جابر ثيبا قال له: "هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك".
ثم قال الإمام ابن القيم: "ومما ينبغي تقديمه
على الجماع ملاعبة المرأة وتقبيلها ومص
لسانها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يلاعب أهله، ويقبلها. وروى أبو داود: "أنه صلى
الله عليه وسلم كان يقبل عائشة ويمص لسانها"
ويذكر عن جابر بن عبد الله قال: "نهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن المواقعة قبل
المداعبة"
وهذا كله يدلنا على أن فقهاء الإسلام لم
يكونوا "رجعيين" ولا "متزمتين" في معالجة هذه
القضايا، بل كانوا بتعبير عصرنا "تقدميين"
واقعيين. وخلاصة القول: إن الإسلام عنى بتنظيم
الناحية الجنسية بين الزوجين، ولم يهملها حتى
إن القرآن الكريم ذكرها في موضعين من سورة
البقرة التي عنيت بشئون الأسرة:
أحدهما: في أثناء آيات الصيام وما يتعلق به
حيث يقول تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث
إلى نسائكم، هن لباس لكم، وأنتم لباس لهن، علم
الله أنكم تختانون أنفسكم، فتاب عليكم وعفا
عنكم، فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم،
وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من
الخيط الأسود من الفجر، ثم أتموا الصيام إلى
الليل، ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد،
تلك حدود الله فلا تقربوها). وليس هناك أجمل
ولا أبلغ ولا أصدق من التعبير عن الصلة بين
الزوجين من قوله تعالى: (هن لباس لكم وأنتم
لباس لهن) بكل ما توجبه عبارة "اللباس"
من معاني الستر والوقاية والدفء والملاصقة
والزينة والجمال.
الثاني: قوله تعالى: (ويسألونك عن المحيض، قل
هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن
حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم
الله، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين،
نساؤكم حرث لكم، فأتوا حرثكم أنى شئتم، وقدموا
لأنفسكم، واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه،
وبشر المؤمنين). وقد جاءت الأحاديث النبوية
تفسر الاعتزال في الآية الأولى بأنه اجتناب
الجماع فقط دون ما عداه من القبلة والمعانقة
والمباشرة ونحوها من ألوان الاستمتاع، كما
تفسر معنى (أنى شئتم) بأن المراد: على أي وضع
أو أي كيفية اخترتموها مادام في موضع الحرث،
وهو القبل كما أشارت الآية الكريمة. وليس هناك
عناية بهذا الأمر أكثر من أن يذكر قصدا في
دستور الإسلام وهو القرآن الكريم