سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه

بسم الله الرحمن الرحيم

الإصدار 2.02 - لمحمد رضا - رحمه الله تعالى

سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Intro

"بسم اللّه الرحمن الرحيم

أحمد اللّه على نعمائه الجمة وآلائه التي لا تعد ولا تحصى، وأستغفره من كبائر الذنوب وصغائرها، وأسأله الهداية والتوفيق. وأصلي وأسلم على محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

أما بعد فقد كنت شديد الرغبة في تأليف سيرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لنشرها على العالم الإسلامي فقضيت الأيام والليالي الطوال في الاطلاع والبحث في كتب السير فجمعت شتاتها وشرحت الغامض منها وحققت الروايات وأثبت تواريخ الوقائع ورددت على الاعتراضات والترهات ردوداً مدعَّمة بالبراهين الساطعة والحجج القاطعة، فجاء الكتاب وافياً بغرضي من حيث إيصال المعلومات الصحيحة إلى العالم الإسلامي. ولما فرغ طبعه، تلقاه الناس بالقبول والاستحسان وأقبلوا على مطالعته بشوق وشغف، ونال بحمد اللّه وفضله رضا العامة والخاصة وتواردت عليَّ رسائل التقريظ والتشجيع من الكبراء والعلماء والأدباء حتى عجزت عن شكرهم على ثقتهم بشخصي العاجز الضعيف، وشعرت بقوة تدفعني إلى مواصلة البحث والتأليف بالرغم من كثرة المشاغل الدنيوية. وقد سألني كثير من الأصدقاء الأعزاء أن أتبع سيرة رسول اللّه بسير الخلفاء بنفس الطريقة التي انتهجتها فسرتني فكرتهم ولم يسعني إلا إجابة طلبهم واستخرت اللّه تعالى أن أكتب سيرة أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه فإنه أول الخلفاء الذين أمرنا رسول اللّه بالاقتداء بهم والاهتداء بهديهم.

لما توفي النبي صلى اللّه عليه وسلم ارتجت العرب واختلف المسلمون ولا سيما الأنصار والمهاجرون في الخلافة فتدارك الأمر أبو بكر بحكمته وسرعة بديهته وتمت البيعة له بالإجماع. وقد برهن رضي اللّه عنه أنه أكفأ رجل وأنه رجل الساعة وقتئذ لأن العرب عندما سمعوا بوفاة رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] ارتد كثير منهم واستفحل أمر المرتدين في جزيرة العرب، وظهر المتنبئون وجمعوا جيوشهم وثاروا على المسلمين. فمنهم من خرج عن الإسلام، ومنهم من منع الزكاة ووضع الصلاة وأباح المحرمات وطرد كثيراً من الولاة، ولولا شدة تمسك أبي بكر بسنة رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] وقوة عزيمته وشجاعته لتغلب المرتدون وقضوا على الإسلام قضاءً مبرماً. ولقد هال أمر المرتدين في بادئ الأمر كبراء الصحابة، ولكن أبا بكر ثبت ولم يتزعزع وظهرت كفايته في إرسال الجيوش واختيار القواد والولاة إلى جميع أنحاء جزيرة العرب، فكبح جماح المرتدين وهزمهم شر هزيمة واستتب الأمن في البلاد في أقل من سنة. ولم يقتصر على ذلك بل بعث الجيوش إلى العراق والشام فانهزمت الفرس والروم ومن والاهما من العرب وتعدى المسلمون في فتوحهم شبه جزيرة العرب. وقد تم ذلك كله في مدة خلافته وهي سنتان وأشهر، ولا شك أن هذه مدة قصيرة بالنسبة إلى ما تم في خلالها من جلائل الأعمال، وقد مهد بذلك طريق الفتوحات الإسلامية لمن جاء بعده من الخلفاء واتضحت بذلك حكمة رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] في اختيار أبي بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] بعده.

وقد كان رضي اللّه عنه مع ذلك لطيفاً وديعاً متواضعاً زاهداً في الدنيا متقشفاً عادلاً غير طامع في ملك أو غنى، بل كان كل همه نشر الإسلام وتوطيد أركانه واتباع سنة رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] . وقد كان مؤلفاً لقلوب المسلمين. وعلى العموم كان خير قدوة لهم في دينهم ودنياهم. وقد اختار لهم خير من يصلح للخلافة بعده وهو عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه الذي كان وزيره وقاضيه وملازماً له طول مدة خلافته وذلك حفظاً لكيان الإسلام.

هذا هو أبو بكر الصديق [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] خليفة رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] الذي عنيت بترجمة حياته وشرح خلافته ومآثره في كتابي هذا, وإني لأرجو اللّه سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت في عملي. كما أرجو أن ينتفع به المسلمون ويتدبروا في سير سلفهم الصالح بعد أن سهلت لهم ما يتعسر فهمه من حيث شرح المواقع وسير الرجال وضبط التواريخ وتفسير الألفاظ الغامضة تسهيلاً للبحث والمراجعة وتوفيراً للوقت. وإني في الختام أقدم مزيد شكري لجميع الذين أبدوا اهتمامهم وإعجابهم بمؤلفي "محمد رسول اللّه" ولا شك أني مدين لهم بهذا العطف والتشجيع.

محمد رضا" اهـ

(يتبع إن شاء الله تعالى نقلاً عن موقع المُحدّث - جزى الله القائمين عليه خير الجزاء .... )

سُبحانَكَ الَّلهُمَّ وبحمدكَ أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ أنتَ، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ

والحمدُ لله وَسَلامٌ على عِبَاده الذينَ اصْطَفَى

[متن الكتاب]

بسم الله الرحمن الرحيم

ترجمة حياة أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه.

"هو عبد اللّه بن عثمان بن عامر بن عَمْرو بن كعب بن سعد بن تَيْم بن مُرَّة بن كعب بن لؤيّ القرشيّ التيميّ. يلتقي مع رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] في مُرَّة بن كعب. أبو بكر الصديق بن أبي قُحَافة [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya3

]. واسم أبي قُحَافة عثمان. وأمه أم الخير سَلْمَى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وهي ابنة عم أبي قحافة.

أسلم أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] ثم أسلمت أمه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya4

] بعده، وصحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال العلماء: لا يعرف أربعة متناسلون بعضهم من بعض صحبوا رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] ، إلا آل أبي بكر الصديق وهم: عبد اللّه بن الزبير، أمه أسماء بنت أبي بكر بن أبي قُحَافة. فهؤلاء الأربعة صحابة متناسلون. وأيضاً أبو عتيق بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قُحَافة رضي اللّه عنهم.

ولقب عَتِيقاً لعتقه من النار وقيل لحسن وجهه. وعن عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "أبو بكر عتيق اللّه من النار" فمن يومئذ سمي "عتيقاً". وقيل سمي عتيقاً لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به. وأجمعت الأئمة على تسميته صديقاً. قال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه: "إن اللّه تعالى هو الذي سمى أبا بكر على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صدِّيقاً" وسبب تسميته أنه بادر إلى تصديق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولازم الصدق فلم تقع منه هِنات ولا كذبة في حال من الأحوال. وعن عائشة أنها قالت:
"لما أسري بالنبي صلى اللّه عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يحدِّث الناس بذلك فارتد ناس ممن كان آمن وصدق به وفتنوا به. فقال أبو بكر: إني لأصدقه في ما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبا بكر الصديق".

وقال أبو محجن الثقفي:

1 2	وســمــيــت صــدِّيــقــاً وكــــل مــهــاجــر == ســواك يـسـمــى بـاسـمــه غـيــر مـنـكــر سـبـقــت إلـــى الإســـلام والــلّــه شــاهــد == وكـنـت جـلـيـسـاً فـي الـعـريـش الـمـشـهـر

ولد أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] سنة 573 م بعد الفيل بثلاث سنين تقريباً، وكان رضي اللّه عنه صديقاً لرسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] قبل البعث وهو أصغر منه سناً بثلاث سنوات وكان يكثر غشيانه في منزله ومحادثته. وقيل: كُنِي بأبي بكر لابتكاره الخصال الحميدة. فلما أسلم آزر النبي صلى اللّه عليه وسلم في نصر دين اللّه تعالى بنفسه وماله. وكان له لما أسلم 40.000 درهم أنفقها في سبيل اللّه مع ما كسب من التجارة.

قال تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى}. الليل 17-19.

وقد أجمع المفسرون على أن المراد منه أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] . وقد رد الفخر الرازي [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] على من قال إنها نزلت في حق علي رضي اللّه عنه.

كان أبو بكر رضي اللّه عنه من رؤساء قريش في الجاهلية محبباً فيهم مُؤلفاً لهم، وكان إليه الأشناق(1) في الجاهلية. كان إذا عمل شيئاً صدقته قريش، وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه، وإن احتملها غيره خذلوه ولم يصدقوه. فلما جاء الإسلام سبق إليه، وأسلم من الصحابة بدعائه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم: عثمان بن عفان، والزُّبَير بن العوَّام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya2

سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya2

] ، وأسلم أبواه وولداه وولد ولده من الصحابة فجاء بالخمسة الذين أسلموا بدعائه إلى رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] فأسلموا وصلوا.

وقد ذهب جماعة إلى أنه أول من أسلم؛ قال الشعبي: سألت ابن عباس مَنْ أول مَنْ أسلم؟ قال: أبو بكر، أما سمعت قول حسان:

إذا تذكرتَ شجواً من أخي ثقـة == فاذكر أخـاك أبـا بكـر بمـا فعـلا
خيـر البريـة أتقـاهـا وأعدلـهـا == بعـد النبـي وأوفاهـا بمـا حمـلا
والثانيَ التاليَ المحمود مشهدهُ == وأول الناسِ قدماً صدَّق الرسلا

وكان أعلم العرب بأنساب قريش وما كان فيها من خير وشر. وكان تاجراً ذا ثروة طائلة، حسن المجالسة، عالماً بتعبير الرؤيا، وقد حرم الخمر على نفسه في الجاهلية هو وعثمان بن عفان [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya3

] . ولما أسلم جعل يدعو الناس إلى الإسلام قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت عنده كَبْوَة ونظر وتردد إلا ما كان من أبي بكر رضي اللّه عنه ما عَلَمَ عنه حين ذكرته له" أي أنه بادر به. ونزل فيه وفي عمر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya3

]: {وَشَاوِرْهم في الأمر} آل عمران 159 فكان أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] بمنزلة الوزير من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فكان يشاوره في أموره كلها.

وقد أصاب أبا بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] من إيذاء قريش شيء كثير. فمن ذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما دخل دار الأرقم ليعبد اللّه ومن معه من أصحابه سراً ألح أبو بكر رضي اللّه عنه في الظهور، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: يا أبا بكر إنا قليل. فلم يزل به حتى خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن معه من الصحابة رضي اللّه عنهم وقام أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] في الناس خطيباً ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس ودعا إلى رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] ، فهو أول خطيب دعا إلى اللّه تعالى فثار المشركون على أبي بكر رضي اللّه عنه وعلى المسلمين يضربونهم فضربوهم ضرباً شديداً. ووُطئ أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] بالأرجل وضرب ضرباً شديداً. وصار عُتْبة بن ربيعة يضرب أبا بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] بنعلين مخصوفتين ويحرفهما إلى وجهه حتى صار لا يعرف أنفه من وجهه، فجاءت بنو تيم يتعادَون فأجْلت المشركين عن أبي بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] إلى أن أدخلوه منزله ولا يشكُّون في موته، ثم رجعوا فدخلوا المسجد فقالوا: واللّه لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة، ثم رجعوا إلى أبي بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] وصار والده أبو قحافة [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] وبنو تيم يكلمونه فلا يجيب حتى آخر النهار، ثم تكلم وقال: ما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فعذلوه فصار يكرر ذلك فقالت أمه: واللّه ما لي علم بصاحبك. فقال: اذهبي إلى أم جميل فاسأليها عنه وخرجت إليها وسألتها عن محمد بن عبد اللّه ، فقالت: لا أعرف محمداً ولا أبا بكر ثم قالت: تريدين أن أخرج معك؟ قالت: نعم. فخرجت معها إلى أن جاءت أبا بكر فوجدته صريعاً فصاحت وقالت: إن قوماً نالوا هذا منك لأهل فسق وإني لأرجو أن ينتقم اللّه منهم، فقال لها أبو بكر رضي اللّه عنه: ما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فقالت: هذه أمك، قال: فلا عَيْنَ عليك منها أي أنها لا تفشي سرك. قالت: سالم هو في دار الأرقم. فقال: واللّه لا أذوق طعاماً ولا أشرب شراباً أو آتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قالت أمه: فأمهلناه حتى إذا هدأت الرِّجل وسكن الناس خرجنا به يتكئ عليَّ حتى دخل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرقَّ له رقة شديدة وأكب عليه يقبله وأكب عليه المسلمون كذلك فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ما بي من بأس إلا ما نال الناس من وجهي، وهذه أمي برة بولدها فعسى اللّه أن يستنقذها من النار، فدعا لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ودعاها إلى الإسلام فأسلمت [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya4

] (2).

ولما اشتد أذى كفار قريش لم يهاجر أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] إلى الحبشة مع المسلمين بل بقي مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تاركاً عياله وأولاده وأقام معه في الغار ثلاثة أيام؛ قال اللّه تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}. التوبة 41.

ولما كانت الهجرة جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه إلى أبي بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] وهو نائم فأيقظه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: قد أذن لي في الخروج قالت عائشة: فلقد رأيت أبا بكر يبكي من الفرح، ثم خرجا حتى دخلا الغار فأقاما فيه ثلاثة أيام(3). وأن رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] لولا ثقته التامة بأبي بكر [ ^رض ] لما صاحبه في هجرته فاستخلصه لنفسه. وكل من سوى أبي بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] فارق رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] ، وإن اللّه تعالى سماه "ثاني اثنين".

قال رسول صلى اللّه عليه وسلم لحسان بن ثابت [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] : "هل قلت في أبي بكر شيئاً؟" فقال: نعم. فقال: "قل وأنا أسمع". فقال:

1 2	وثـانـي اثـنـيـن فـي الـغـار الـمـنـيـف وقـد == طـــاف الــعــدوّ بـــه إذ صــعَّــد الـجــبــلا وكــان حِــبِّ رســول الـلّــه قــد عـلــمــوا == مـــن الـبــريــة لـــم يــعــدل بـــه رجــــلاً

فضحك رسول اللّه حتى بدت نواجذه، ثم قال: "صدقت يا حسان هو كما قلت".

وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم يكرمه ويجله ويثني عليه في وجهه واستخلفه في الصلاة، وشهد مع رسول اللّه بدراً وأُحداً والخندق وبيعة الرضوان بالحُدَيبية وخيبر وفتح مكة وحُنَيناً والطائف وتَبوك وحَجة الوداع. ودفع رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] رايته العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] وكانت سوداء، وكان فيمن ثبت معه يوم أُحد وحين ولَّى الناس يوم حنين. وهو من كبار الصحابة الذين حفظوا القرآن كله. ودفع أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] عقبة بن أبي معيط عن رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] لما خنق رسول اللّه وهو يصلي عند الكعبة خنقاً شديداً. وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ}. المؤمن 28.

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً". رواه البخاري ومسلم.

وأعتق أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] سبعة ممن كانوا يعذبون في اللّه تعالى وهم: بلال، وعامر بن فهيرة، وزِنِّيرة، والنَّهديَّة، وابنتها، وجارية بني مؤمّل، وأم عُبيس [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya2

] . وكان أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] إذا مُدح قال: "اللّهم أنت أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم. اللّهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون".

قال عمر رضي اللّه عنه: أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مالاً عندي. فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته، فجئت بنصف مالي. فقال: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله. وجاء أبو بكر بكل ما عنده. فقال: يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم اللّه ورسوله. قلت: لا أسبقه إلى شيء أبداً.

روي لأبي بكر رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم 142 حديثاً اتفق البخاري ومسلم منها على ستة، وانفرد البخاري بأحد عشر، ومسلم بحديث واحد. وسبب قلة رواياته مع تقدم صحبته وملازمته النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه تقدمت وفاته قبل انتشار الأحاديث واعتناء التابعين بسماعها، وتحصيلها، وحفظها.

------------------------
(1) الأشناق: الديات، ج شَنَق.
(2) راجع السيرة الحلبية.
(3) راجع "الهجرة إلى المدينة" في كتاب محمد رسول اللّه للمؤلف صفحة 154." اهـ

(يتبع إن شاء الله تعالى .... )

بسم الله الرحمن الرحيم

بعض الأحاديث المصرحة بفضل أبي بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

]:

"عن عمرو بن العاص [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] : أن النبي عليه السلام بعثه على جيش ذات السلاسل قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ فقال: عائشة. فقلت: من الرجال؟ فقال: أبوها. فقلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب. فعد رجالاً. رواه البخاري ومسلم.

وعن ابن عمر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya3

] قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "من جر ثوبه خُيلاء لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة" فقال أبو بكر: إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إنك لست تصنع ذلك خيلاء" رواه البخاري.

وعن أبي هريرة [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة" رواه مسلم.

وعن أبي هريرة [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان على حِرَاء هو وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير. فتحركت الصخرة فقال النبي عليه السلام: "اهدأ فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد" رواه مسلم.

وعن حذيفة [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "اقتدوا باللذَين من بعدي أبي بكر وعمر" رواه الترمذي.

وعن ابن عمر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya3

] : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لأبي بكر: "أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار" رواه الترمذي.

وعن أبي هريرة [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ما نفعني مال أحد قطُّ ما نفعني مال أبي بكر" فبكى أبو بكر وقال: وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول اللّه.

ومن فضائله رضي اللّه عنه:

أن عمر بن الخطاب [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] كان يتعاهد عجوزاً كبيرة عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل فيستقي لها ويقوم بأمرها. فكان إذا جاء وجد غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت. فجاءها غير مرة كيلا يسبق إليها فرصده عمر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] فإذا الذي يأتيها هو أبو بكر الصديق [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] ، وهو خليفة. فقال عمر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] : أنت هو لعمري.

وهو أول خليفة في الإسلام، وأول أمير أرسل على الحج، حج بالناس سنة تسع هجرية، وأول من جمع القرآن، وأول من سمى مصحف القرآن مصحفاً، وكان يفتي الناس في زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبو بكر وعمر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya3

].

توفي أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] يوم الاثنين 22 جمادى الآخرة سنة 13هـ - 23 أب - أغسطس سنة 634 م وتوفي أبوه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] بعده بنحو ستة أشهر وله 63 سنة كرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعمر بن الخطاب [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] ." اهـ

(يتبع إن شاء الله تعالى .... )

سُبحانَكَ الَّلهُمَّ وبحمدكَ أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ أنتَ، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ

والحمدُ لله وَسَلامٌ على عِبَاده الذينَ اصْطَفَى

بسم الله الرحمن الرحيم

صفته رضي اللّه عنه.

"كان أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] رجلاً أبيض خفيف العارضين لا يتمسك إزاره، معروق الوجهة، ناتئ الجبهة عاري الأشاجع(4) أَقْنَى(5) غائر العينين حَمْش الساقين(6) ممحوص الفخذين(7) يخضب بالحِناء والكَتَم ( 8 ).

زوجاته وأولاده.

تزوج أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] في الجاهلية (قتيلة بنت سعد) فولدت له عبد اللّه وأسماء. أما عبد اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] فإنه شهد يوم الطائف مع النبي صلى اللّه عليه وسلم وبقي إلى خلافة أبيه، ومات في خلافته وترك سبعة دنانير فاستكثرها أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

]. وولد لعبد اللّه اسماعيل فمات ولا عقب له. وأما أسماء فهي ذات النطاقين [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya4

]، وهي التي قطعت قطعة من نطاقها فربطت به على فم السُّفرة في الجراب التي صنعت لرسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] ، وأبي بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] عند قيامهما بالهجرة وبذلك سميت "ذات النطاقين" وهي أسنّ من عائشة [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya4

] . وكانت أسماء[ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya4

] أشجع نساء الإسلام، وأثبتهن جأشاً، وأعظمهن تربية للولد على الشهامة، وعزة النفس، تزوجها الزبير [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] بمكة فولدت له عدة أولاد، ثم طلقها فكانت مع ابنها عبد اللّه بن الزبير [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya3

] حتى قتل بمكة، وعاشت مائة سنة حتى عميت، وماتت.

وتزوج أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] أيضا في الجاهلية (أم رومان) فولدت له عبد الرحمن [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] ، وعائشة [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya4

] زوجة رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] توفيت في حياة رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] في سنة ست من الهجرة فنزل رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] قبرها واستغفر لها، وكانت حية وقت حديث الإفك، وحديث الإفك في سنة ست في شعبان، فعبد الرحمن شقيق عائشة [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya3

] ، شهد بدراً وأحداً مع الكفار، ودعا إلى البراز فقام إليه أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] ليبارزه، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "متعنا بنفسك" وكان شجاعاً رامياً، أسلم في هدنة الحديبية وحسن إسلامه، شهد اليمامة مع خالد بن الوليد [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] فقتل وهو من أكابرهم، وهو الذي قتل مُحكَّم اليمامة ابن الطفيل الذي كان من قواد بني حنيفة المشهورين، رماه بسهم في نحره فقتله، كما سيأتي ذكر ذلك في موقعة اليمامة،. وكان عبد الرحمن [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] أسن ولد أبي بكر وكان فيه دُعابة. توفي فجأة بمكان اسمه حبش على نحو عشرة أميال من مكة، وحمل إلى مكة ودفن فيها، وكان موته سنة 53 هـ.

وتزوج أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] في الإسلام (أسماء بنت عُمَيس) [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya4

] وكانت قبله عند جعفر بن أبي طالب [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

]. فلما قتل جعفر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] تزوجها أبو بكر الصديق [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] فولدت له محمد بن أبي بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya3

] ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] فولدت له يحيى [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] . وأما محمد بن أبي بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya3

] فكان يكنى أبا القاسم، وكان من نسابة قريش، ولاه علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه مصر فقاتله صاحب معاوية [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] ، وظفر به فقتله، وولد له القاسم [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] .

وتزوج أيضاً في الإسلام (حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير الخزرجي) [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya4

] فولدت له جارية سمتها عائشة أم كلثوم [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya4

] . تزوجها طلحة بن عبيد اللّه فولدت له زكريا، وعائشة [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya3

] ، ثم قتل عنها فتزوجها عبد الرحمن بن عبيد اللّه بن أبي ربيعة المخزومي [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

]

.
قال الأستاذ واشنجتون إيرفنج في كتاب (محمد وخلفاؤه) :

كان أبو بكر رجلاً عاقلاً سديد الرأي وقد كان في بعض الأحيان شديد الحذر والحيطة في إدارته، لكنه كان شريف الأغراض غير محب للذات، ساعياً للخير لا لمصلحته الذاتية فلم يبتغ من وراء حكمه مطامح دنيوية بل كان لا يهمه الغنى، زاهداً في الفخر، راغباً عن اللذات ولم يقبل أجراً على خدماته غير مبلغ زهيد يكفي لمعاش رجل عربي عادي ولم يكن له سوى جمل وعبد. وكان يوزع ما كان يرد إليه في كل يوم جمعة إلى المحتاجين، والفقراء، ويساعد المعوزين بماله الخاص.

------------------------
(4) الأشاجع: هي أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف. وقيل هي عروق ظاهر الكف.
(5) أي ارتفع أنفه واحدودب وسطه وسبغ طرفه وقيل نتأ وسط قصبته وضاق منخراه فهو أقنى.
(6) دقيقهما.
(7) أي خلص من الاسترخاء.
( 8 ) الكتم من نبات الجبال ورقه كورق الآس يخضب به مدقوقاً وله ثمر كقدر الفلفل ويسودّ إذا نضج." اهـ

(يتبع إن شاء الله تعالى..... )

سُبحانَكَ الَّلهُمَّ وبحمدكَ أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ أنتَ، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ

والحمدُ لله وَسَلامٌ على عِبَاده الذينَ اصْطَفَى

بسم الله الرحمن الرحيم

حديث السقيفة وبيعة أبي بكر الصديق [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] .

"توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الاثنين 12 ربيع الأول من السنة الحادية عشرة من الهجرة (9 حزيران يونيه سنة 632 م) فهب الأنصار [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya2

] يطالبون بالخلافة قبل أن يدفن رسول اللّه[ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] مع أن المهاجرين [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya2

] لم يكونوا قد فكروا في الخلافة، بل كان كبار الصحابة [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya2

] مشغولين بتجهيز رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] ودفنه، وطمع سعد بن عبادة [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] في أن يكون خليفة ويكنى أبا ثابت، وكان نقيب بني ساعدة والسيد المطاع في الخزرج.

اجتمع الأنصار [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya2

] في سقيفة بني ساعدة (9) وجاؤوا بسعد بن عبادة [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] وهو مريض بالحمى ليبايعوه، وطلبوا إليه أن يخطب. فقال لابنه أو بعض بني عمه: إني لا أقدر لشكواي أن أسمع القوم كلهم كلامي، ولكن تلق مني قولي فأسمعهم، فكان يتكلم ويحفظ الرجل قوله فيرفع صوته فيسمع أصحابه." اهـ

------------------------
(9) سقيفة بني ساعدة بالمدينة وهي ظلة كانوا يجلسون تحتها. أما بنو ساعدة الذين أضيفت إليهم السقيفة فهم حي من الأنصار وهم بنو ساعدة بن كعب بن الخزرج وكانت دار سعد مما يلي سوق المدينة وعندها السقيفة." اهـ

(يتبع إن شاء الله تعالى.... )

سُبحانَكَ الَّلهُمَّ وبحمدكَ أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ أنتَ، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ

والحمدُ لله وَسَلامٌ على عِبَاده الذينَ اصْطَفَى

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة سعد بن عبادة. سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

"قال سعد

بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه:

"يا معشر الأنصار، لكم سابقة في الدين، وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب. إن محمداً عليه السلام لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن، وخلع الأنداد والأوثان، فما آمن به من قومه إلا رجال قليل، ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول اللّه، ولا أن يعزوا دينه، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيماً عُمُّوا به، حتى إذا أراد بكم الفضيلة، ساق إليكم الكرامة وخصكم بالنعمة، فرزقكم الإيمان به وبرسوله، والمنع له ولأصحابه، والإعزاز له ولدينه، والجهاد لأعدائه، فكنتم أشد الناس على عدوه حتى استقامت العرب لأمر اللّه طوعاً وكرهاً، وأعطى البعيد المقادة صاغراً داخراً حتى أثخن اللّه عز وجل لرسوله بكم الأرض، ودانت بأسيافكم له العرب، وتوفاه اللّه وهو عنكم راض وبكم قرير عين استبدُّوا بالأمر دون الناس، فإنه لكم دون الناس(10)".

هذه خطبة سعد بن عبادة سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

. فقد كان يرى أن المهاجرين استبدوا بالأمر، وأن الأنصار أحق بالولاية للأسباب التي ذكرها، مع أن المهاجرين لم يكونوا قد اجتمعوا، ولم يتشاوروا في أمر الخلافة، ولم يقرروا شيئاً. ولا شك أن هذه الخطبة حازت استحسان الأنصار، ولا سيما الخزرج، فأجابوا بأجمعهم أن قد وفقت في الرأي، وأصبت في القول، ولن نعدو ما رأيت، نوليك هذا الأمر فإنك فينا مقنع، ولصالح المؤمنين رضاً.

وطبيعي أن يحتج المهاجرون على هذا الكلام. فقالوا: نحن المهاجرون وأصحاب رسول اللّه سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

الأولون، وعشيرته وأولياؤه. فقال الأنصار: "منا أمير ومنكم أمير ولن نرضى بدون هذا أبداً". فقال سعد سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

: (هذا أول الوَهْن).

بلغ عمر بن الخطاب سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

ما كان من خطبة سعد سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

وما وقع من خلاف بين الأنصار الذين أثاروا هذا الموضوع وبين المهاجرين، فجاء إلى منزل رسول اللّه سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

؛ وأرسل إلى أبي بكر سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

أن أخرج إليَّ فأرسل إليه أني مشتغل فأرسل إليه أنه قد حدث أمر لا بد لك من حضوره. فخرج فأعلمه الخبر فمضيا مسرعين إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة بن الجراح سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya2

، وأراد عمر رضي اللّه عنه أن يبدأ بالكلام، فأسكته أبو بكر سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

قائلاً: "رويداً حتى أتكلم" ثم تكلم بكل ما أراد أن يقول عمر سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

.

------------------------
(10) تاريخ الطبري الجزء الثالث." اهـ

(يتبع إن شاء الله تعالى مع: خطبة أبي بكر سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

..... )

سُبحانَكَ الَّلهُمَّ وبحمدكَ أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ أنتَ، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ

والحمدُ لله وَسَلامٌ على عِبَاده الذينَ اصْطَفَى

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة أبي بكر الصديق [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

]

.
"بدأ أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال:

"إن اللّه بعث محمداً رسولاً إلى خلقه، وشهيداً على أمته ليعبدوا اللّه ويوحدوه، وهم يعبدون من دونه آلهة شتى، ويزعمون أنها لهم عنده شافعة، ولهم نافعة وإنما هي من حجر منحوت، وخشب منجور. ثم قرأ: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه مَا لاَ يَضًّرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللّه} يونس 18 {وَقَالُوا مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لَيُقَرِّبُونَا إِلَى اللّه زُلْفَى} الزمر 3. فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم، فخص اللّه المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه، والإيمان به، والمواساة له، والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم، وتكذيبهم إياهم، وكل الناس لهم مخالف. زار عليهم، فلم يستوحشوا لقلة عددهم، وشنف الناس لهم (11) وإجماع قومهم عليهم، فهم أول من عبد اللّه في الأرض، وآمن باللّه وبالرسول وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من عبده، ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم، أنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين، ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام. رضيكم اللّه أنصاراً لدينه ولرسوله، وجعل إليكم هجرته وفيكم جلة أزواجه وأصحابه فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا بمنزلتكم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا تُفْتانون بمشْوَرة، ولا تقضى دونكم الأمور."

------------------------
(11) بغض الناس لهم." اهـ

(يتبع إن شاء الله تعالى.... )

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الحُبَاب بن المنذر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

]

"فقام الحُبَاب بن المنذر بن الجموح الأنصاري الخزرجي السَّلِمي، ويكنى أبا عمر وكان يقال له ذو الرأي. فقال :

"يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم ولن يجتري مجترئ على خلافكم، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم، أنتم أهل العز والثروة، وأولو العدد والمَنَعة والتجربة، ذوو البأس والنجدة وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون، ولا تختلفوا فيفسد رأيكم، وينتقض عليكم أمركم أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير".

ورد عمر بن الخطاب على الحُبَاب [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya3

] فقال:

"هيهات لا يجتمع اثنان في قَرَن(12) واللّه لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمرهم فيهم، ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين، من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته، ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مُدْلٍ بباطل أو متجانف لإثم(13) أو متورط في هلكة". فقام الحُبَاب بن المنذر فقال:

"يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبوا عليكم ما سألتموه فأجلوهم عن هذه البلاد، وتولوا عليهم هذه الأمور، فأنتم واللّه أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين، أنا جُذَيلها(14) المحكَّك وعُذَيقُها المرَجَّب، أما واللّه لو شئتم لنعيدنَّها جَذَعة".

لقد لج الحُبَاب في الخصومة، واستعمل في خطبته ألفاظاً شديدة وحرض الأنصار على إجلاء المهاجرين من المدينة إذا لم يولوهم الخلافة وتوعدهم بالشر لذلك قال له عمر محتداً: إذن يقتلك اللّه. قال: بل إياك يقتل.

قال أبو عبيدة [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

]: "يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من غيَّر وبدَّل".

وعندئذ قام بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس الخزرجي الأنصاري، ويكنى أبا النعمان [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] فقال:

"يا معشر الأنصار إنا واللّه لئن كنا أولي فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين، ما أردنا به إلا رضا ربنا، وطاعة نبينا، والكدح لأنفسنا. فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك، ألا إن محمداً صلى اللّه عليه وسلم من قريش وقومه أحق به وأولى، وأيم اللّه لا يراني اللّه أنازعهم هذا الأمر أبداً فاتقوا اللّه ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم".

فأراد أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] بحكمته أن يضع حداً لهذا الخلاف خشية استحكامه فرشح للخلافة اثنين من المهاجرين قائلاً: "هذا عمر وهذا أبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا".

فقالا [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya3

]: "لا واللّه لا نتولى هذا الأمر عليك، فإنك أفضل المهاجرين وثاني إثنين إذ هما في الغار وخليفة رسول اللّه على الصلاة والصلاة أفضل دين المسلمين فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك، أو يتولى هذا الأمر عليك ابسط يدك نبايعك". فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] فبايعه، فهو على ذلك أول من بايع أبا بكر الصديق [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya3

].

ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد، وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض وفيهم أُسَيد بن حُضَير (الذي كان رئيس الأوس يوم بُعَاث، ومن أحسن الناس صوتاً بالقرآن، وكان أحد المشهود لهم بالعقل وأحد النقباء) :

واللّه لئن وَلِيْتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيباً أبداً فقوموا فبايعوا أبا بكر فقاموا إليه فبايعوه، فأنكر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعواه له من أمرهم.

ولم يلق الرأي الذي قاله الأنصار: "منا أمير ومنكم أمير" قبولاً حتى من سعد نفسه فإنه لما سمع به قال: "هذا أول الوَهْن" لأن انقسام القوة موهن لها، وكذا رفضه عمر حيث قال: "هيهات لا يجتمع اثنان في قَرَن" وأسرع عمر في مبايعة أبي بكر علماً منه بمكانته واعترافاً بفضله.

أقبل الناس يبايعون أبا بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] من كل جانب، وأقبلت أَسْلَم بجماعاتها حتى تضايقت بهم السكك فبايعوا فكان عمر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] يقول: "ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر" وكاد الناس من شدة الزحام يطأون سعد بن عبادة الذي كان يومئذ مريضاً ولا يستطيع النهوض، وحدثت بينه وبين عمر مشادَّة، وأخيراً حمل سعد وأدخل في داره وترك أياماً ثم بعث إليه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك فقال:

"أما واللّه حتى أرميكم بما في كنانتي من نبل، وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي، فلا أفعل. وأيم اللّه لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي".

هذا ما أجاب به سعد من دعوه إلى مبايعة أبي بكر بعد أن علم أن البيعة قد تمت ولكن ماذا يفيد امتناعه عن البيعة، وليس له أنصار ولا أغلبية! لقد طمع في الخلافة، وظن أن قومه سيقاومون ويتمسكون به إلى آخر رمق من حياتهم. إنه توعد وهدد بمفرده لذلك لم يكترث به أحد فتركوه وشأنه.

فلما علم أبو بكر بما قال سعد؛ قال له عمر: لا تدعه حتى يبايع. فقال له بشير بن سعد: إنه قد لج وأبى، وليس بمبايعتكم حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده، وأهل بيته، وطائفة من عشيرته، فاتركوه فليس تركه بضاركم إنما هو رجل واحد. فتركوه عملاً برأي بشير.

------------------------
(12) القرن: الجبل، ولا يقال للجبل قرن حتى يقرن فيه بعيران.
(13) متجانف لإثم: أي مائل متعمد.
(14) الجذل: أصل الشجرة، وعود ينصب لتحتك به الجربى من الإبل فتستشفى به، والعذق: النخلة بحملها وقول الحباب: "أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب" مثل يضرب لمن يستشفى برأيه ويعتمد عليه، أي قد جربتني الأمور ولي رأي وعلم يستشفى بهما كما تستشفى هذه الإبل بهذا الجذل. وصغره على جهة المدح وصغر الغذق على جهة المدح أو التعظيم. والترجيب: أن تدعم الشجرة إذا كثر حملها لئلا تتكسر أغصانها. وقيل: ترجيبها هو أن يوضع الشوك حوالي الأعذاق لئلا يصل إليها آكل فلا تسرق. وقد أراد بالترجيب التعظيم." اهـ

(يتبع إن شاء الله تعالى مع تخلف عليّ رضي الله عنه عن البيعة..... )

سُبحانَكَ الَّلهُمَّ وبحمدكَ أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ أنتَ، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ

والحمدُ لله وَسَلامٌ على عِبَاده الذينَ اصْطَفَى

بسم الله الرحمن الرحيم

تخلف عليّ رضي اللّه عنه عن البيعة.

"قال الزهري: "بقي عليّ وبنو هاشم والزبير ستة أشهر لم يبايعوا أبا بكر حتى ماتت فاطمة رضي اللّه عنها فبايعوه(15)" وكانت فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه مما أفاء اللّه عليه بالمدينة وفَدَكَ(16) وما بقي من خمس خَيْبَر فأبى أبو بكر أن يدفع إليها شيئاً؛ لأن رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] قال: "لا نُوْرَثُ ما تركناه صدقة" فوجدت فاطمة على أبي بكر الصديق في ذلك ولم تكلمه حتى توفيت [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya2

].

وقد كان عليّ رضي اللّه عنه يرى أنه أحق بالخلافة من أبي بكر لقرابته من رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] ، لذلك تخلف عن البيعة(17) مع أن رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] لما مرض وتعذر عليه الخروج إلى الصلاة. قال: مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس. فقالت له عائشة: يا رسول اللّه إن أبا بكر رجل رقيق إذا قام مقامك لا يسمع الناس من البكاء قال: مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس. فعاودته مثل مقالتها. فقال: إنكن صواحبات يوسف. مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس.

وفي تقديمه أبا بكر للصلاة إشارة إلى أنه الخليفة بعده قال الزبير: لا أغمد سيفاً حتى يبايع عليّ. فقال عمر: خذوا سيفه واضربوا به الحجر. ثم أتاهم عمر فأخذهم للبيعة. وقيل لما سمع عليّ ببيعة أبي بكر خرج في قميص ما عليه إزار، ولا رداء عجلاً حتى بايعه ثم استدعى إزاره ورداءه فتجلّله. قال ابن الأثير: والصحيح أن أمير المؤمنين ما بايع إلا بعد ستة أشهر.

وممن تخلف عن بيعة أبي بكر عتبة بن أبي لهب، وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبو ذر، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأُبَيِّ بن كعب ومالوا مع عليّ، وتخلف أيضاً أبو سفيان من بني أمية [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya2

].

------------------------
(15) أصح الأقوال أن فاطمة توفيت بعد رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] بستة أشهر.
(16) قرية بخيبر.
(17) وفي أسد الغابة رواية عن يحيى بن عروة المرادي؛ قال: سمعت علياً رضي اللّه عنه يقول: قُبض النبي صلى اللّه عليه وسلم وأنا أرى أني أحق بهذا الأمر. فاجتمع المسلمون على أبي بكر فسمعت وأطعت. ثم إن أبا بكر أصيب فظننت أنه لا يعدلها عني. فجعلها في عمر فسمعت وأطعت. ثم إن عمر أصيب فظننت أنه لا يعدلها عني فجعلها في ستة أنا أحدهم فولوها عثمان فسمعت وأطعت. ثم إن عثمان قتل فجاؤوا فبايعوني طائعين غير مكرهين. الخ." اهـ

(يتبع إن شاء الله تعالى ..... )

سُبحانَكَ الَّلهُمَّ وبحمدكَ أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ أنتَ، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ

والحمدُ لله وَسَلامٌ على عِبَاده الذينَ اصْطَفَى

بسم الله الرحمن الرحيم

أفضل الناس بعد رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

]

"أفضل الناس بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أبو بكر" رضي اللّه عنه. وقالت الشيعة وكثير من المعتزلة هو "عليّ" وهؤلاء جوزوا إمامة المفضول مع وجود الفاضل. وحجتهم أن قيام عليّ [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] بالجهاد كان أكثر من قيام أبي بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] فوجب أن يكون عليّ [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] أفضل منه لقوله تعالى: {وَفَضَّلَ اللّهُ المُجَاهِدِينَ عَلَىَ الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً}.

وأجاب أهل السنة عنه بأن الجهاد على قسمين: جهاد بالدعوة إلى الدين وجهاد بالسيف. ومعلوم أن أبا بكر رضي اللّه عنه جاهد في الدين في أول الإسلام بدعوة الناس إلى الإسلام. وبدعوته أسلم عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وأبو عبيدة بن الجراح رضي اللّه عنهم أجمعين. وعلي رضي اللّه عنه إنما جاهد بالسيف عند قوة الإسلام، فكان الأول أولى، وحجة القائلين بفضل أبي بكر رضي اللّه عنه قوله صلى اللّه عليه وسلم: "ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر( 18 )".

------------------------
( 18 ) راجع كتاب معالم أصول الدين لفخر الدين محمد بن عمر الرازي - الباب العاشر في الإمامة - المسألة السابعة." اهـ

(يتبع إن شاء الله تعالى مع: تجهيز رسول اللّه ودفنه سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

....... )

سُبحانَكَ الَّلهُمَّ وبحمدكَ أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ أنتَ، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ

والحمدُ لله وَسَلامٌ على عِبَاده الذينَ اصْطَفَى

بسم الله الرحمن الرحيم

تجهيز رسول اللّه ودفنه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

].

"بعد أن بويع أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] جهز رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] ودفن ليلة الأربعاء وقد غسّل في قميصه وغسّله العباس ، والفضل وقُثَم ابنا العباس، وأسامة بن زيد، وشقران مولى رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

و

] ، وحضرهم أوس بن خَوْلى الأنصاري [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] من بئر يقال لها الغَرس لسعد بن خثيمة [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] بقباء، وكان العباس وابناه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya2

] يقلبونه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] ، وأسامة وشقران [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya3

] يصبان الماء، وعليّ [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] يغسله وعليه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] قميصه، وهو يقول: "بأبي أنت وأمي ما أطيبك حيّاً وميتاً". وكفن [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] في ثلاثة أثواب يمانية (19) بيض من كُرْسُف (قطن) ليس في كفنه قميص ولا عمامة ولا عروة.

وبعد أن غسل رسول اللّه وكفن [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] ، وضع [

] على سرير وأدخل عليه المسلمون أفواجاً يقومون ويصلون عليه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] ، ثم يخرجون ويدخل آخرون ولم يؤمهم في الصلاة عليه إمام حتى إذا فرغت الرجال دخلت النساء ثم دخل الصبيان.

وكان أول من دخل أبو بكر وعمر. فقالا [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya3

] : "السلام عليك أيها النبي.. ورحمة اللّه وبركاته" ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار قدر ما يسع البيت، فسلموا كما سلم أبو بكر، وعمر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya2

] ، وصفوا صفوفاً لا يؤمهم عليه أحد. فقال أبو بكر وعمر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya3

] وهما في الصف الأول حيال رسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] :

"اللّهم إنا نشهد أن قد بَلَّغ ما أنزل عليه ونصح لأمته، وجاهد في سبيل اللّه حتى أعز اللّه دينه، وتمت كلماته فآمن به وحده لا شريك له. فاجعلنا يا إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه، واجمع بيننا وبينه حتى يعرفنا ونعرفه، فإنه كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً. لا نبتغي بالإيمان بدلاً، ولا نشتري به ثمناً أبداً".

فيقول الناس آمين آمين، ثم يخرجون ويدخل غيرهم. ولما فرغوا نادى عمر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] : خلوا الجنازة وأهلها.

ولما اختلفوا في موضع دفنه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] قال أبو بكر [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (ما مات نبي قط إلا يدفن حيث تقبض روحه) قال عليّ [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] : وأنا أيضاً سمعته، فرفع فراشه ودفن [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] . ولما أرادوا أن يحفروا لرسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] كان بالمدينة رجلان أبو عبيدة بن الجراح [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] يضرح لأهل مكة، وكان أبو طلحة الأنصاري [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] هو الذي يلحد لأهل المدينة. فجاء أبو طلحة [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] وألحد لرسول اللّه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] ، وجعل في قبره قطيفة حمراء كان [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] يلبسها فبسطت تحته، وكانت الأرض ندية، ورش قبره صلى اللّه عليه وسلم بلال [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

] بتربة بدأ من قبل رأسه [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] وجعل عليه من حصباء العرصة (20) حمراً وبيضاً، ورفع قبره [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] عن الأرض قدر شبر، ونزل قبره [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Salla

] عليّ، والفضل وقُثَم ابنا العباس، وشقران، وأوس بن خولى الأنصاري [ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya2

] .

------------------------
(19) وقيل: في ثلاثة أثواب سَحولية. وسحول - مثل رسول - بلدة باليمن يجلب منها الثياب.
(20) عرصة الدار: ساحتها وهي البقعة الواسعة التي ليس فيها بناء والجمع عراص وعرصات." اهـ

(يتبع إن شاء الله تعالى مع: خطبة أبي بكر بعد البيعة سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه Radeya1

..... )

سُبحانَكَ الَّلهُمَّ وبحمدكَ أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ أنتَ، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ

والحمدُ لله وَسَلامٌ على عِبَاده الذينَ اصْطَفَى

بارك الله فيك اخي الكريم ..على المشاركة و المجهود الطيب
في إنتظار مواضيعك التاريخية ..
تحياتي لك ..

» سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه
» مجلة مغربية تتفوق على الدنمارك في الاستهزاء ( لا إله إلا الله محمد رسول الله )
» أختي في الله/السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
» لماذا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
» صور - حب رسول الله صلى الله عليه وسلم